زكاة النفط: الحلّ الاقتصادي المَنْسِيّ
زكاة النفط أو ما يعتبره البعض الحلّ الاقتصادي المَنسيّ أو الفريضة المعطّلة، هي مسألة شدّد الكثير من الفقهاء والخبراء الاقتصاديّين على ضرورة أن تخرجها الدول النفطية الإسلامية من الناتج. فلو تمّ ذلك للإنفاق على مصالح المسلمين لتحقّقت التنمية الاقتصادية المنشودة في دول العالم الإسلامي كافة.
كانت بداية المناداة بزكاة النفط في “المؤتمر العالمي الأوّل للاقتصاد الإسلامي”، الذي انعقد في فبراير1976 في مكّة المكرّمة، حيث عُرض بعد ذلك على هيئة كبار العلماء كتاب عنوانه الزكاة بلغة العصر فأقرّته، وصدر منه طبعات عدّة بتقديم من وزير الحجّ والأوقاف، ولم يكن ثمّة اعتراض من المسؤولين في المملكة العربية السعودية حول وجوب زكاة النفط، وإنما جرى النقاش حول كيفية إعمال ذلك على مستوى العالم الإسلامي، وقد دعم الأمر بالفتوى الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر2008 ، والتي تنصّ على وجوب إخراج زكاة بنسبة %20 من عائدات ما يُستَخرج من باطن الأرض، سواء كان مواد بترولية أم معادن، باستثناء الذهب والفضة اللذين يجب فيهما ربع العشر (%2.5).
رأى العديد من الباحثين ضرورة إنشاء صندوق إسلامي عالمي مستقلّ لزكاة الركاز، بما فيه النفط، لكي ينتفع به مسلمو الدول الأقلّ دخلاً من جهة، ويجنّبها من جهة أخرى الخضوع لشروط الإقراض من مؤسّسات النقد الدولية. لكنّ هذا الرأي يحتاج إلى تحديد حيثية هذا الصندوق، وكيفية إدارته، ومعايير التوزيع؛ فهنالك تعقيدات إجرائية وقانونية وسياسية، ربما تكون سبباً في هزيمة المشروع، والأفضل من ذلك وجوب التزام كلّ دولة بأخذ زكاة الركاز وتوزيعها وفق معاييرها.
إلا أن ذلك لم يلقَ قبولاً من طرف الجميع، ومانع البعض زكاة النفط، وبالتالي كان لا بدّ من طرح بعض التتساؤلات: هل كونه من المعادن، على قول المالكية ومن وافقهم الذي يحصرون زكاة المعادن في الذهب والفضة؟ أو على قول الحنفية الذين يجعلون الزكاة في غير السائلة فقط، فيما البترول من السائلة؟ أو لكونه مالاً عاماً تملكه الدولة؟ فإن كان المانع هو في أن البترول غير الذهب والفضة أو في كونه من المعادن السائلة، فإن الحنابلة ذهبوا إلى وجوب الزكاة في سائر المعادن وما يخرج من الأرض. وقد رجّح الشيخ القرضاوي وغيره من فقهاء العصر رأي الحنابلة على أنه الذي تؤيّده اللغة في معنى المعدن كما يؤيّده الاعتبار الصحيح، إذ لا فرق بين المعدن الجامد والمعدن السائل، ولا بين ما ينطبع وما لا ينطبع، ولا فرق بين الحديد والرصاص، وبين النفط والكبريت، فكلّها أموال ذات قيمة عند الناس. وعلى رأي المالكية ومن وافقهم، فالبترول اليوم هو الذهب الأسود من حيث القيمة والحاجة والنفع. ولعلّ الأئمة والفقهاء لو عاشوا إلى يومنا هذا، لربّما غيّروا فتواهم. وإن كان المانع هو في أن البترول مالٌ عام ممّا تملكه الدولة، فما الذي يمنع من زكاته وإن كان مالاً عاما؟ فهو مال بالغ النصاب فتحقق هذا الشرط، وهو مال نام إن كان مرصوداً أو مُعدّاً للاستثمار فتحقّق هذا الشرط أيضاً، وتحقّق شرط حولان الحول به لإخراجه، فبقي شرط الملك فقط. وما مراد الفقهاء بالملك التام الموجب للزكاة؟. وفي كلّ هذه التعريفات لدى فقهاء المذاهب الأربعة نجد أن ملك وليّ الأمر للمال ملك تام، لأنه: 1/ قادر شرعاً على التصرّف فيه على قول الحنابلة، 2/ التصرف على وجه ينفي التبعة والغرامة على قول الشافعية، 3/ لأن المال تحت يده يقدر على التصرف فيه ونمائه على قول المالكية. 4/ ولأن قدرته على التصرف أثبتها له الشارع على قول الحنفية وصرفه على الرعيّة منوط بالمصلحة.
أهمية تطبيق زكاة النفط
تسهم زكاة النفط في مواجهة مجموعة من الحتميات وتحويلها إلى واقع فعلي. فالإسلام هو الذي قدّم المفهوم الأول لمجتمع الرفاهية. وهو مفهوم أكثر تحضراً من المفهوم المعاصر في الدول الصناعية، لأنه يقوم على توفير حدّ الكفاية للكافة ولا يقتصر على المفاهيم الضيّقة التي تتحدث عن التخلّف بالحديث والقول “بحدّ الكفاف” ممّا يحتّم وضع برنامج واسع ومكثّف للمنح، لأن المسلمين في أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم، وهي نوعية لا ترتبط من بعيد أو قريب بالفتات الذي يقدّم حالياً، وهو ما يوفّر مردوداً بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً للدول الإسلامية بدلاً من تكديسها في صورة فوائض مالية تفيد الآخرين في العالم المتقدّم ويتمّ التلاعب بها بالانخفاض والتآكل المستمر، وهو ما يعدّ شكلاً من أشكال الاكتناز المكروه شرعاً. كما أن الافتقار إلى التمويل يمثّل عقدة الاختناق لبرامج التنمية ومشروعاتها في العالم الإسلامي وما يحتاج إليه الواقع الإسلامي يرتبط بمختلف صور التمويل الميسّر لتوفير ما تحتاجه البنية الأساسية والمرافق العامة من استثمارات بالغة الضخامة، وهو إنفاق ضروري للتقدّم والدعم. وفي ظلّ وجود ” دول الفائض المالي” في العالم الإسلامي، فإن تخصيص جزء أكثر ضخامة ممّا هو متاح حالياً للتمويل الميسّر بغير فوائد، عبر تحمّل مصاريف إدارية متواضعة فقط، هو مطلب حتمي للتنمية الإسلامية الشاملة. هذا فضلاً عن أن إنشاء المصانع والإعمار يُعدّ استثمار القرن الحالي والقادم، ولا يصحّ أن يكون هناك ما لا يقلّ عن650 مليار دولار فوائض عربية إسلامية هائمة خارج حدود العالم الإسلامي. وهذا كلّه يحتّم إعداد تخطيط إسلامي لإعادتها إلى بيئتها وتوظيفها من أجل بناء قاعدة اقتصادية قوية ومتينة.
مبادرة السودان في تطبيق زكاة النفط
بعد دراسات معمّقة ومتأنّية لعلماء السودان في زكاة المعادن والركاز، توصلوا إلى ما استقرّ في مواد قانون الزكاة لسنة2001. إذ جاء في (المادة 3 /) – تفسير: المعدن ” يُقصد به كلّ ما توّلد عن الأرض، وكان من غير جنسها، بما يتفق مع المفاهيم العلمية”، كما جاء في المادة(18/2) ما نصّه:” قدر زكاة نصاب المعادن منسوباً إلى الذهب، ويكون مقدار الزكاة فيها ربع العشر”، ويكون بذلك قد انحسم الخلاف الدائر في هذه المسألة عن تحديد الواجب في المعدن هل هو “ربع العشر ” أو “الخمس” ؛ كما انحسم أمر النصاب والحول في الفقرة01 من ذات المادة ، إذ تنصّ على :وجوب الزكاة في المعادن بجميع أنواعها، جامدة وسائلة، عند استخراجها، وتستكمل الصورة بشكل أوضح بفتوى مجمع الفقه الإسلامي بالنمرة م ف إ / م أ/ 149/2006 بتاريخ :15/10/ والتي تنصّ على أن النفط تجب فيه الزكاة بواقع 25% .
إن تجربة تطبيق الزكاة في العصر الحديث بعد طول غياب في واقع المسلمين، والتي انفرد بها السودان تحت إشراف الدولة، فضلاً عن الاجتهادات والمقاربات، تشير إلى أنها ستكون نبراساً لبقية دول العالم الإسلامي، ولاسيّما الدول البترولية التي اكتفت في الغالب إما بإنشاء صناديق للزكاة، وإما بالركون إلى بعض الفتاوى التي رأت عدم جواز زكاة النفط، لكونه من مكوّنات المال العام، وإما بزعم أن مستخرجه من باطن الأرض هو شركات أجنبية غير إسلامية. فيما أكّدت الأمانة العامة لديوان الزكاة على أحقيّة استخراج الشركات العاملة في مجال النفط زكاة النفط وفقاً لقانون الزكاة لسنة 2000. وقال محمد عبد الرازق – نائب الأمين العام لديوان الزكاة – إن قانون الزكاة للعام 2001 أقرّ عرض قضية استخراج زكاة النفط على مجلس الوزراء لتعرض بدورها على مجمع الفقه الإسلامي لما لها من أهمية في معالجة إشكاليات الفقر وتفعيل التنمية الاقتصادية.
* استاذة باحثة، جامعة مستغانم- الجزائر
المصدر : اضغط هنا
أترك تعليقًا