حرية التعبير في الجزائر..“التقدّم إلى الخلف” ؟!

“التقدّم إلى الخلف” ؟!

   بعد التقدّم المسجّل على صعيد حرية الرأي و التعبير في الجزائر خلال فترة التسعينيات و حتّى السنوات الأخيرة، بدأ العاملون في قطاع الصحافة و الإعلام في الجزائر و حقوقيون في ظل صمت غريب للمجتمع المدني، يتحدّثون عن مدى تراجع السلطات العمومية الجزائرية عن التزاماتها في مجال حريات الإعلام و حقوق الإنسان.
حرية
حرية التعبير أم حرية التقييد؟
   الرئيس الجزائري هو الآخر كان قد تراجع عن وعوده بالإصلاح فيما يخص تنظيم عمل السلطة الرابعة و توسيع حرية الرأي و فتح المجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص، الوعود التي أطلقها في خطابه الشهير في 15 أفريل 2011، ما عجّل بظهور قنوات إعلامية جزائرية خاصة مستفيدة من فراغات قانونية في ذات الشأن، لكن بما يؤشر للغليان الذي تعيشه الجزائر في هذا المجال، كيف لا و هي و إن تقدّمت في مجال الصحافة الحرة و المستقلة و لنقل الخاصة، فهي لا تزال متخلّفة كثيرًا في مجال الإعلام الحر و صحافة الصورة و الصوت، إلى جانب باقي قوالب الرأي و التعبير الفنية و الثقافية، أمام احتكار الدولة لهذا القطاع و إمساكها بزمام إدارة القناة التلفزيونية العمومية في الجزائر و المعروفة بقناة “اليتيمة” في إشارة إلى كونها القناة الجزائرية الوحيدة، في ذات الشأن، لابدّ من التنويه أن القنوات الجزائرية الخاصة الجديدة ( التي لها نسخ ورقية)، لم تقدّم جديدًا يذكر عن فحوى جرائدها الورقية، و التي تعرف شعبيتها تراجعًا يرفض الكثير الإشارة إليه أو الحديث عنه أمام الصحف و الجرائد الجديدة الصاعدة بقوة لكن بإمكانيات خاصة غالبًا!
   حرية التعبير في الجزائر إذًا، تشهد منحًا تنازليًا و تراجعًا محسوسًا و خطيرًا خصوصًا مع تعرّض صحفيين للضرب من قبل عناصر شرطة سنة 2012، ففي 18 مارس من السنة الماضية تعرّض محمد قادري مصوّر جريدة “وقت الجزائر” إلى الضرب من الشرطة قرب فندق السفير بالجزائر العاصمة و جرّد من آلة التصوير، و في 06 جويلية من ذات السنة، تعرّض أربعة صحفيين بينهم مراسل قناة فرانس 24 إلى الضرب خلال تغطية حفل للمغني الشاب خالد  بعاصمة الغرب وهران خلال الاحتفال بالذكرى الـ 50 لاستقلال الجزائر، أمّا في سنة 2011 فتعرّض مصوّر جريدة الخبر الجزائرية أمين شيخي لاعتداء من قبل عناصر الأمن خلال تغطية اعتصام أمام رئاسة الجمهورية، أي بعد يوم واحد من الاحتفال باليوم العالمي لحرية التعبير و الصحافة، و قرارات رئيس الجمهورية بفتح المجال الواسع للممارسة الصحفية و الوصول إلى مصدر المعلومة.
   في سنة 2013، تعرّض في 23 جوان المنصرم، صحفي جريدة المقام محمد حميان إلى الضرب من قبل قوات الأمن في أثناء تغطيته لتجمّع احتجاجي قام به ما يناهز 200 عامل بملبنة البخاري الواقعة ببلدية قصر البخاري 65 كم جنوب المدية.
   أمّا آخر مساس بحرية التعبير و الرأي في الجزائر، فهو ما يتعرّض له هشام عبود مدير جريدتي “جريدتي” الناطقة بالعربية و جريدة “mon journal” الناطقة بالفرنسية، ما أسماه في تصريح له للإعلام الأجنبي، ملاحقات شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة السعيد، هشام عبود مُنع في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية من السفر نحو تونس حيث كان مدعوًا للمشاركة في حصة تلفزيونية، و كان النقيب السابق في دائرة الأمن و الاستعلامات الجزائرية أي جهاز المخابرات، قد تحوّل بشكل راديكالي من قلب النظام إلى عالم الصحافة و الرأي و الرأي الآخر، حيث ترك الجيش الجزائري سنة 1992 و انتقل بعدها لعالم الصحافة لينشئ يومية الأصيل، و له العديد من المقالات الصحفية و الكتب التي ينتقد فيها النظام و المؤسسة العسكرية و الجنرالات و طريقة تسييرهم للبلاد و العباد، حوكم عبود أربع مرات في قضايا قذف و إساءة للمؤسسة العسكرية و برّأته المحكمة لعدم كفاية الأدلة.
   الصحافة الجزائرية، مثلها مثل الجيش الجزائري و الأجهزة الأمنية و المؤسسات و الهيئات المجتمعية و الرسمية، دفعت ثمنًا غاليًا إبّان سنوات التسعينيات، و لم تذّخر أقلام السلطة الرابعة يومًا لا في تلك المرحلة الحالكة أو ما بعدها و حتّى اليوم، الجهد في المساهمة في بناء وطن حر يسوده جو من الحرية و الاحترام المتبادل، حيث اغتيل ما لا يقل عن 100 جزائري ما بين إعلامي و صحافي و كاتب في سبيل إرساء معالم هذه الحرية التي، و إن نجت من الاغتيال السّياسي و الرمي بالرصاص، لم تنج لحد الساعة من محاولات المصادرة من قبل ثلاثية: النظام، المال و السلطة.
ا لمصدر: نظرة جزائرية
2015. يتم التشغيل بواسطة Blogger.