السياسات الأمريكية ومستقبل الربيع العربي
نقاش حول السياسات الأمريكية ومستقبل الربيع العربي
جاءت عناوين الكتب التي صدرت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من هذا العام،
وكذا القضايا التي أولتها مراكز الفكر والرأي والمؤسسات البحثية الغربية
والعربية أهمية على أجندتها البحثية، لتعكس حالة الاهتمام الأمريكي بقضيتين
مركزيتين. تتمثل أولاهما في استشراف السياسات الأمريكية، مع إعادة انتخاب
"باراك أوباما" لفترة رئاسية ثانية، لاسيما تجاه منطقة الشرق الأوسط التي
تشهد تطورات تفرض نفسها على الأجندة العالمية والأمريكية على حد سواء. ومع
السعي لاستشراف ومناقشة سياسات إدارة "أوباما" الثانية، كان هناك اهتمام
بتقييم سياساتها خلال فترتها الأولي.
وتتمثل القضية الأخرى التي لا تزال تفرض نفسها في بحث مستقبل الربيع
العربي، بعد عامين من اندلاع الثورات والاحتجاجات العربية التي أسقطت ثلاثة
أنظمة ديكتاتورية في تونس، مصر واليمن، والتي دفعت دولا أخرى لاتخاذ خطوات
إصلاحية. ويستمر الاهتمام الغربي والعربي بالربيع العربي مع وصول التيار
الإسلامي إلى الحكم، وإخفاقاته في تلبية طموحات وتوقعات من انتخبوه لاسيما
في مصر، وتدهور الوضع الأمني في سوريا، واستمرار الأزمة السورية، مع اشتداد
حالة الاحتراب والصراع بين قوي المعارضة، وتلك الموالية لـ "بشار الأسد"
ونظامه.
تقييم واستشراف السياسات الأمريكية:
مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، صدرت
كتابات تقيم سياساته خلال فترته الرئاسية الأولي التي كانت محملة بكثير من
الآمال والتوقعات على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومن أهم تلك الكتابات
الكتاب الذي يسرد مهمة "هيلاري كلينتون" في وزارة الخارجية الأمريكية،
والمعنون بـ "الوزيرة: رحلة مع هيلاري كلينتون من بيروت إلى قلب القوة
الأمريكية"، للصحفية "كيم غطاس" التي صاحبت "هيلاري" في رحلاتها الخارجية.
يظهر الكتاب الدور الذي لعبته وزيرة الخارجية في إعادة الاعتبار للقوة
والمكانة الأمريكية، بعد فترة من التراجع خلال سنوات بوش الابن الثماني.
ويركز على محاولاتها الدءوب لاستعادة الزعامة الأمريكية في عالم سريع
ومتغير لإثبات قوة الولايات المتحدة الحقيقية كقوة رائدة عالمية. ويظهر
الكتاب الدور الجلي لـ "هيلاري" في عودة النشاط إلى الدبلوماسية الأمريكية،
وإعادة المكانة لوزارة الخارجية الأمريكية، ومهامها التي اختطفت من قبل
وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) خلال سنوات حكم المحافظين الجدد، خلال
إدارة بوش الابن التي عملت على عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية.
وخلال الشهر الثلاثة الماضية، صدرت مجموعة من الكتب التي تتناول السياسات
الأمريكية تجاه عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتقدم تلك
الكتب كتاب "إليوت أبرامز" -أحد أبرز تيار المحافظين الجدد بإدارة جورج بوش
الابن- المعنون "الاختبار من قبل صهيون: إدارة بوش والصراع الإسرائيلي -
الفلسطيني". وتنبع أهمية الكتاب من كونه يرصد تعامل إدارة بوش الابن مع
الصراع العربي - الإسرائيلي بعين مسئول مشارك في مفاوضات السلام. فالكتاب
يرصد أهم الاجتماعات والمكالمات الهاتفية التي أجرتها إدارة بوش الابن
بخصوص عملية السلام، وكيف تدار العملية السياسية من داخل البيت الأبيض بشأن
الصراع العربي - الإسرائيلي. ويؤكد "أبرامز "أن التغير الذي اتسمت به
السياسة الخارجية الأمريكية عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 كان له أكبر الأثر
على إدارة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
وهناك الكتاب الذي حرره "دانيال كيرتزر"، سفير الولايات المتحدة السابق في
كل من مصر وإسرائيل، والذي يحمل عنوان "سبل السلام: أمريكا والصراع العربي
- الإسرائيلي". يضم الكتاب مجموعة من الأبحاث التي تدعو الولايات المتحدة
لتبني سياسات حاسمة تجاه حل الصراع العربي - الإسرائيلي، خاصة أن القضايا
محل الخلاف والنقاش محددة بدقة.
وعلى الرغم من إعلان إدارة "أوباما" عن مساعيها لإنهاء الحرب الأمريكية في
أفغانستان، زادت عدد الهجمات الأمريكية العسكرية بالطائرات بدون طيار على
المدن والقري الأفغانية، خاصة بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة، "أسامة بن
لادن"، في مايو 2011، وضعف قوة التنظيم. وفي هذا السياق، صدرت مجموعة من
الكتابات التي تتحدث عن أن الحرب الأمريكية في أفغانستان تحولت من "حرب على
الإرهاب" إلى "حرب عالمية على الإسلام؟". ومن تلك الكتابات كتاب
الدبلوماسي والباحث السياسي أكبر أحمد، الذي جاء تحت عنوان "الشوك
والطائرات بدون طيار: كيف تحولت الحرب الأمريكية ضد الإرهاب إلى حرب عالمية
على الإسلام؟". ويتزامن صدور هذا الكتاب مع النقاش الدائر داخل أروقة
الكونجرس الأمريكي حول الآثار القانونية والأخلاقية لاستخدام الطائرات بدون
طيار في الحرب على الإرهاب، خاصة مع رد الفعل السلبي الذي تواجهه الولايات
المتحدة إزاء استهداف الطائرات بدون طيار المدنيين، وهو ما أثار حفيظة
جماعات حقوق الإنسان، والمؤسسات الليبرالية الأمريكية.
مستقبل الربيع العربي:
سيطر على المؤتمرات الدولية وحلقات النقاش التي عقدت داخل المنطقة وخارجها
التطورات الحادثة في دول المنطقة، وكذا التطورات الدولية التي لها انعكاس
على مجريات الأمور بالعالم العربي. فمع إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي
"باراك أوباما" لفترة رئاسية ثانية، وإعلانه عن زيارة إلى المنطقة
(إسرائيل، الصفة الغربية، الأردن)، اهتمت مركز الفكر والرأي الأمريكية
والعربية بتساؤل رئيسي، مفاده: هل ستحمل زيارة أوباما للمنطقة رؤية جديدة
لعملية السلام تحرز تقدما بعد توقفها خلال سنوات "أوباما" الأربع الماضية،
في ظل التعنت الإسرائيلي؟. وصاحب هذا التساؤل الرئيسي تساؤل عن رؤية
الإدارة للتطورات في المنطقة، ويأتي في مقدمتها التطورات على الساحة
المصرية، في وقت يغيب فيه التوافق الوطني حول أولويات المرحلة الانتقالية،
والاحتراب السياسي بين قوي المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين، والسيولة
الأمنية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو الأمر الذي دفع مجلة "السياسية
الدولية" لبحث مستقبل العلاقات المصرية - الأمريكية، في ظل التغييرات على
الساحتين الأمريكية والمصرية، وهل يحمل هذا التغير تحولا في العلاقات بين
البلدين أم لا.
ومع مرور عامين على الربيع العربي، كان استشراف مستقبل المنطقة على أولوية
المؤتمرات الأكاديمية والبحثية العربية والغربية على حد سواء. وقد سيطر
على المناقشات الدولية بشأن مستقبل الربيع العربي قضيتان مركزيتان.
أولاهما: الأزمة السورية، والتحول في الموقف الأمريكي بتقديم الدعم إلى
المعارضة السورية، والاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، والموافقة
الأمريكية على تقديم قوي عربية الدعم العسكري للمعارضة السورية، واقتراب
المجتمع الدولي من صيغة لحسم الأزمة السورية، مع التقارير عن ضعف جبهة
"بشار الأسد"، واشتداد قوي المعارضة، واتفاقها على إدارة المرحلة فيما بعد
الأسد. أما القضية الأخرى، فهي: صعود القوي الإسلامية في دول الربيع
العربي، وانتقالها من صفوف المعارضة، والاضطهاد السياسي إلى سدة الحكم. ومع
إخفاقاتها في مصر، وعجزها عن تلبية طموح الشارع المصري، وتبنيها سياسات
تتعارض مع القيم والممارسة الديمقراطية، أصبح كثيرون يتساءلون: هل لدى
التيار الإسلامي مشروع حقيقي يسعي إلى تطبيقه، متي وصل إلى السلطة، أم أن
هؤلاء الإسلاميين لم يكونوا جاهزين بعد لإدارة دولة مأزومة سياسيا
واقتصاديا؟.
(*) تقديم قسم عرض الكتب والندوات، مجلة السياسة الدولية، العدد 192 ، إبريل 2013
أترك تعليقًا